خطاب المفوض العام خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الأعضاء
الرئاسة العامة لجامعة الدول العربية
القاهرة
16 أيلول 2010
أصحاب السمو، أصحاب المعالي:
أشعر بالامتنان، كما أنا دوما، للأمين العام عمرو موسى، صديق الاونروا المميز، على إتاحته الفرصة لي للتحدث في هذا الملتقى الهام. كما أود أن أعبر عن امتناني للدول المضيفة، خصوصا الأردن، لدعم وجودي بينكم اليوم. ومن خلال دعوتكم الكريمة لي، فإنكم تقرون، وكما دأبتم على ذلك من قبل، بالأهمية التي يتمتع بها 4,7 مليون لاجئ فلسطيني تعد خدمتهم سببا في وجود الأونروا. كما أنكم تدركون بأن هموم أولئك اللاجئين مرتبطة بهموم البلدان في هذه المنطقة وخارجها، ويشمل ذلك البحث الجاري عن السلام في الشرق الأوسط.
وأود أن أقدم للحكومات والشعوب التي تمثلونها كلمة شكر خالص للدعم الذي قدمتموه للأونروا وللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948. وأود أن أشيد على وجه الخصوص بالأردن وسورية ولبنان والسلطة الفلسطينية لاستمرارهم طيلة ما يزيد عن اثنتين وستين عاما بتوفير الملاذ المؤقت للاجئين على أراضيهم، وغالبا تم ذلك عبر تضحيات عظيمة، علاوة على قيامهم بتسهيل عمليات الأونروا. وأقدم شكري الحار أيضا للدول الأعضاء في الجامعة على الدعم المالي والسياسي الكبير الذي تقدمه، وتحديدا على شكل تبرعات استجابة لمناشدات الأونروا الطارئة ومن أجل دعم جهودها لإعادة الإعمار.
إن الظروف الأشد مرارة التي تواجه اللاجئين هي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد بينت السنوات منذ عام 1967 بأن احتلال الأراضي الفلسطينية، والسياسات والأفعال التي تعمل على استدامة الاحتلال، تشكل العقبة الأكبر أمام تحقيق حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية وإقامة دولة للفلسطينيين. كما أنها أيضا مصدر إلهام للمتطرفين الراديكاليين وهدية لأولئك الذين يرفضون الحلول الوسط ويفضلون وسائل العنف على المسار التفاوضي من أجل السلام. إن انتهاء الاحتلال سيوفر الأرضية الصلبة من أجل حل شامل وعادل لهذا الصراع، والتي نأمل أن يتحقق مع تجدد محادثات السلام، بحيث يجب أن يكون الحل العادل والدائم لمحنة اللاجئين جزءا منه.
وفي غزة، فإن تخفيف القيود المفروضة على استيراد البضائع الاستهلاكية يعد تطورا مرحبا به، حتى ولو كان الإسهام المقدم من أجل تعزيز الاقتصاد الرسمي محدود بقطاعات قليلة وحتي لو جاءت هذه التسهيلات دون سقف حرية تنقل البضائع والأشخاص المنصوص عليها في اتفاقية الحركة والوصول الموقعة في تشرين الثاني 2005. وبالرغم من بعض التحسينات، إلا أن العديد من الفلسطينيين لا يزالون يواجهون ظروفا قاسية من العزلة. والقليلون فقط، إن كان يوجد في الأصل، قادرون على تجنب آثار الشلل في الخدمات العامة وانهيار الاقتصاد الرسمي والتهديدات المادية والنفسية التي يجلبها النزاع. ومن الضروري التأكيد على حقيقية مفادها أن الوكالة وغيرها من المؤسسات وإذ تعمل على التخفيف من حدة الأزمة يجب أن لا ننسي أن جذور الأزمة يجب أن تعالج من قبل الإطراف السياسية. نحن نقدر الجهود التي بذلت مؤخرا ولى مدي الشهور الماضية ولكن هناك حاجة واضحة لإجراءات وتسهيلات أكبر بكثير للسماح بحرية حركة أكبر للسكان والبضائع، وان كان لي أن أضيف نقطة هنا فان الحاجة للوحدة الفلسطينية تبدو بديهية وماثلة للعيان في ظل هذه الظروف.
إن إغلاق حدود غزة يعد السبب المباشر للفقر المستشري. ومع وجود ما يزيد عن ستين بالمائة من الغزيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، فإن ما يقارب من 40% منهم عاطلون عن العمل وثمانين بالمائة منهم يعتمدون على المعونات الغذائية، وإن الظروف المتردية تعمل على استنزاف الدم من حياة المدنيين في غزة من الأطفال والنساء والرجال الذين ليس لديهم أي انتماء سياسي محدد وبرغم ذلك فهم يحملون العبء الأكبر لهذه المأساة.
إن الأمم المتحدة، والأونروا على وجه الخصوص، مستعدة للعب دور فاعل في إعادة إعمار قطاع غزة. وعلى أية حال، ولكي يحدث ذلك، فإنه يجب أن يتم التسريع وبشكل كبير من التخفيف الحالي للحصار. وكما قلت، فقد حدث هناك بعض التقدم، ونحن نتفاوض من أجل إجراءات أكثر فاعلية لاستيراد المواد، إلا أنه وحسب الوتيرة الحالية فإن الأمر سيستغرقنا فترة طويلة لإعادة بناء المنازل والمدارس والمراكز الصحية والبنية التحتية المتردية في غزة، وذلك وقت طويل بالنسبة لسكانها الذين يعانون.
وفي الضفة الغربية، فإن العديد من أشكال القيود لا تزال مفروضة على المجتمعات الفلسطينية، وستزيد سوءا مع المضي قدما ببناء المستوطنات. إن الوضع في القدس الشرقية وحواليها، وأذكركم هنا أنها تعد مسكنا لما يقارب من 70,000 لاجئ فلسطيني، لهي مثار قلق خاص. لقد ازدادت عمليات إلغاء حق المواطنة للفلسطينيين بشكل كبير. وقد تقابلت مؤخرا مع بعض عائلات اللاجئين التي أجبرت قبل ما يزيد عن عام على إخلاء منازلها في حي الشيخ جراح. إن قصصهم حول التجريد من الملكية محزنة؛ وستستمر الأونروا بالدفاع عن حقوقهم. كما أن الحرمان المستشري لحرية الحركة يعد خاصية واضحة أخرى للوضع القائم في الضفة الغربية.
لقد حصلت تطورات ملموسة في لبنان. ففي خلال الأشهر الماضية، قامت الحكومة والشعب اللبناني باتخاذ خطوات تاريخية أولى نحو توسيع حق اللاجئين الفلسطينيين الوصول إلى مجموعة من الفرص الوظيفية أكبر مما كان متاحا لهم من قبل. إن الجهود اللبنانية هي شهادة على ما يمكن أن يتم تحقيقه عندما يقوم اللاعبون السياسيون بتوليد الإرادة اللازمة للتغلب على المخاوف التقليدية والتصورات المسبقة. ولدينا في هذا المثال تأكيد آخر على حقيقة أن ذلك قد تم تحقيقه منذ وقت طويل في الأردن وسورية وغيرها، وأعني أن تعزيز الاعتماد الاقتصادي الذاتي المستدام للاجئين هو في مصلحة البلدان المضيفة ولا يتعارض بأي حال من الأحوال مع الطابع المؤقت لوضعهم كلاجئين.
والأونروا ممتنة للغاية لحكومة وشعب لبنان. وينبغي أن يتم العمل على رفع مستويات المعيشية بسرعة في كافة أرجاء مخيمات اللاجئين، وذلك على الأقل بسبب الآثار الأوسع على صعيد الأمن والاستقرار. وينبغي أن يقال الشيء نفسه بالنسبة لإعادة بناء مخيم نهر البارد. إن الأونروا بحاجة إلى 46 مليون دولار أمريكي من أجل إكمال جدول أعمال المرحلتين الثالثة والرابعة من خطة إعادة الإعمار. وهناك حاجة لما مجموعه 164 مليون دولار إضافية من أجل إعادة إعمار المخيم بأكمله. لقد قطعنا وعدا للاجئين وللحكومة وللمجتمع اللبناني بأنه سيتم إعادة بناء نهر البارد. ونحن ببساطة لا نستطيع تحمل الفشل في الوفاء بهذا الوعد دون المخاطرة بخيبة الأمل الشديدة والاضطرابات الاجتماعية التي من المحتمل أن يرافقها عواقب خطيرة على القانون والنظام في شمال لبنان.
إن الحالة التي وصفتها للتو تذكرنا بأن قضية اللاجئين الفلسطينيين وعمل الأونروا مرتبطان بالمخاوف الأكثر حيوية التي تتشاركون بها بوصفكم دولا شرق أوسطية. إن وجود الأونروا وعملها يساهمان في خلق الفرص وتعزيز الاستقرار. ويعمل برنامجنا التعليمي الأساسي، من غزة وحتى لبنان، على تجسيد نهج الأونروا بالاعتراف بإمكانات الأفراد اللاجئين وبتعزيز تلك الإمكانات نحو اتجاهات متسقة مع قيم الأمم المتحدة كالتسامح حيال التنوع ووجهات النظر المعارضة والحل السلمي للنزاعات واحترام حقوق الإنسان والكرامة للجميع بدون أي تمييز واحترام سيادة القانون.
أصحاب السمو والمعالي:
على أجندة أعمالكم اليوم بند مخصص لمراجعة الوضع المالي للأونروا. واسمحوا لي أن أذكركم بناءا عليه بأن الأونروا تعاني من أزمة مالية خطيرة تهدد قدرتها على المحافظة على خدماتها حتى نهاية هذه السنة وفي عام 2011. وإنني أناشدكم من أجل مساعدتنا في التصدي له. لقد وصلنا الآن إلى النقطة التي ستكون فيها مواردنا قادرة على دعم عملياتنا لعام 2010 لغاية تشرين الثاني فحسب. إن التوقعات لعام 2011 صعبة للغاية بحيث أننا وللمرة الأولى منذ سنوات نتوقع أن نبدأ العام الجديد بعجز مالي بدء العام باحتياطي نقدي كما عهدنا بالسابق.
لقد نتج هذا الوضع عن تركيبة من العوامل؛ وهي تشمل: الزيادة الطبيعية في عدد اللاجئين مع مرور الزمن؛ وزيادة أعداد المتضررين من الفقر وبالتالي اضطرارهم للبحث عن خدمات الأونروا؛ والتضخم؛ وتقلبات العملة والركود الاقتصادي العالمي الذي يعمل على التقليل من ميزانيات المساعدات المرصودة من قبل في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية اللذان يعدان أكبر المانحين للأونروا. وينبغي علي أن أؤكد أنه وبالرغم من الركود إلا أن تلك الحكومات الغربية لا تزال تثبت نسبيا استعدادها لتقديم المساعدة. وحتى يومنا هذا، قامت تلك البلدان بالتبرع بما قيمته 95% من نسبة التمويل الذي حصلنا عليه لبرامجنا العادية. وهناك دول أخري تقدم مساعدات إضافية وغير معهودة لدعم عمل الاونروا.
واستنادا لآخر التقديرات، فإن الأونروا بحاجة إلى 80 مليون دولار من أجل المحافظة على عملياتها وعند مستوياتها الحالية حتى نهاية عام 2010. وكما ذكرت في مستهل خطابي، فقد أبدى المانحون العرب سخاء يستحق الثناء في دعم مشاريع الإعمار ومناشدات الطوارئ. وعلى أية حال، فإننا نسألكم أن ترتقي مساهماتكم خطوة للأمام وبأن تبذلوا جهودا خاصة من أجل رفع مستويات مساهماتكم لنشاطاتنا الرئيسة، وخصوصا الصحة والتعليم والإغاثة من الفقر، وليس فقط لهذا العام بل وأيضا للأعوام اللاحقة، وذلك كي تتمكن الأونروا من الوفاء بمهام الولاية التي فوضت لها من قبلكم ومن قبل المجتمع الدولي.
وبدون أموال كافية للإبقاء على 691 مدرسة إضافة إلى 137 مركز صحي مفتوحة، أو لتقديم الدعم المالي والغذائي لما يزيد عن ربع مليون لاجئ يعانون من فقر شديد، فقد يكون هناك عواقب وخيمة ستؤثر سلبا لا على اللاجئين لوحدهم بل وأيضا على المجتمعات والبلدان التي تستضيفهم. وهناك بالفعل 40,000 طفل لاجئ في غزة قد تم إجبارهم على الابتعاد عن مدارس الوكالة، برغم أنهم يستحقونها، بسبب افتقارنا للأموال اللازمة لبناء وإدارة مرافق كافية. وإذا ما ظلت مدارس الأونروا تعاني من تزايد أعداد الطلبة في الصفوف وبدرجة كبيرة، فإلى أين سيذهب الأطفال اللاجئون؟ وإذا ما انخفضت مستويات العلاج الطبي في عيادتنا الصحية، فمن الذي سيمنع الأمراض ويشفى المرضى من بين ملايين الأشخاص في المنطقة؟ وإذا ما تم حرمان الآلاف من العائلات الفقيرة للغاية، بدءا من حلب شمالا وحتى العقبة جنوبا، من المساعدات المالية للأونروا التي بالرغم من أنها ضئيلة ولكنها منتظمة، فمن الذي سيتعامل مع غضبها وإحباطها؟ إننا لن نكون قد فشلنا في واجبنا الإنساني فحسب؛ بل وستكون عواقب ذلك أيضا على السلام والاستقرار صعبة التخيل.
إن وجود أونروا ضعيفة يعد أمرا سيئا ليس لعائلات اللاجئين فحسب بل وأيضا للسلطات المضيفة التي يتم فرض المزيد من الأعباء عليها. كما أنها تزيل أيضا واحدة من دعائم الاستقرار في وقت يتسم بالكثير من عدم اليقين بخصوص مستقبل الفلسطينيين وتترك نقطة من الضعف لأعداء الاستقرار ليقوموا باستغلالها. وبالتالي، فإن زيادة الدعم للأونروا تعد مسألة لكم فيها، كلاعبين سياسيين، حصة رئيسية. إننا نطلب أن تقوم حكوماتكم بأخذ مكانها المناسب كنصير مالي لخدمات الأونروا وبأن يرتقي دعمكم للاجئين الفلسطينيين وصولا للمستويات التي تعكس بدقة أكبر الدور الرئيسي الذي تلعبه الدول العربية على الساحة الإقليمية والدولية.
إن الاستجابة لمناشدتي ستكون ملائمة على وجه الخصوص هذا العام بسبب أن اللجنة الاستشارية، وهي مجموعة الدول التي تقدم النصح لي والتي تقوم بمساعدة الأونروا، ترأسها حاليا المملكة العربية السعودية. إن هذه هي المرة الأولى التي يتبوأ فيها مانح عربي هذا المنصب. وفي الوقت ذاته، فإن منصب نائب الرئيس تتبوأه دولة عربية أخرى هي الأردن. وحيث أن كلتا الدولتين كانتا ولا تزالان مساندتين بشكل استثنائي للأونروا على مر السنين، فإنني على ثقة من أنه وفي ظل قيادتهما الجديدة فإن اللجنة الاستشارية ستساعد الأونروا على استعادة عافيتها المالية.
أصحاب السمو والمعالي:
مرارا وتكرارا، أعلنت الدول العربية عن سعيها للسلام بشكل واضح للمجتمع الدولي، وكان آخرها على شكل مبادرة السلام العربية والمباحثات المباشرة الحالية التي يلعب البعض منكم دورا رئيسا في تيسيرها.
إن مباحثات السلام الناجحة ينبغي أن تعالج مسألة اللاجئين الفلسطينيين، وإنني أشجع كافة الأطراف على أن تأخذ احتياجات وتطلعات اللاجئين بعين الاعتبار. كما وأشجع كافة الأطراف على الاستمرار بتوفير دعمها إلى أن يتم تحقيق اتفاق سلام مقبول من قبل المجتمع الدولي ومن اللاجئين أنفسهم. وفي هذا الوقت الصعب، عندما يكون الاستقرار والرفاه أمران حيويان بالنسبة للسلام، ومن أجل تجنب العودة لإراقة الدماء (التي كان هناك الكثير منها في الشرق الأوسط)، فإنني آمل من أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ستستمر بدعمها للاجئين وللأونروا وأن تزيد من ذلك الدعم حيثما كان ذلك ممكنا. كما وآمل أن أتلقى أخبارا جيدة يمكنني أن أحملها معي للاجئين في أعقاب مداولاتكم بشأن الأونروا والتي ستجري في وقت لاحق من هذا اليوم.
أشكركم.