كيف برزت الفكرة؟ وكيف تساعد اللاجئين الفلسطينيين على التغلب على صعوبات الحياة.
ام ابراهيم
ام ابراهيم :"اضطررت أن أفتح بقالة في هذا العمر لأن رجلي مريض، يعاني من عدة أمراض، وأجرى عدة عمليات. يعني خلال هذين الشهرين سيجري العملية الثالثة. ولأنني اعتدت على أن لا آخذ من أحد بل أعطي، أردت أن أفتح هذا المحل كي لا أحتاج لأي إنسان أن يعطيني خمسة دنانير لأصرف على نفسي. الحمد لله يكفيني لمصروفي ومصروف زوجي."
تجلس أم ابراهيم اللاجئة الفلسطينية الستينية، في بقالتها المتواضعة بوسط عمّان تتحدث إلى أنوار أبو سكينة، موظفة الأونروا، عن تجربتها مع برنامج القروض الصغيرة الذي تديره الوكالة. تقول أم ابراهيم إنها حصلت لغاية الآن على ثلاثة قروض من الأونروا، القرض الأول كان بقيمة ستمئة دينار أردني، والقرض الثالث تجاوزت قيمته الألفي دينار.
"من خلال القروض التي أخذتها قمت بتوسيع السوبرماركت، أزوده بالبضاعة، لأنه كما تعلمين، إذا كان المحل مليء يأتيه الزبائن وبالتالي أحصل على ناتج أكثر. يعني إذا دخل زبون وأراد شراء شيء ما، إذا لم يكن هذا الشيء موجودا فسيأخذه من غيرك. أنا سأكرس كل حياتي لهذا المحل، وإن شاء الله إذا وفقني الله في المستقبل سأشتري سرفيس كي يكون لي دخل آخر."
الحاجة أم ابراهيم وهي أم لستة أولاد وخمس بنات، اضطرت للعمل بعد مرض زوجها الذي أقعده عن العمل، وهي واحدة من المستفيدين من برنامج القروض الصغيرة الذي تديره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا في الأردن.
بالإضافة إلى برنامجي التعليم والصحة، تقوم الأونروا بإدارة برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية في مناطق عملياتها الخمس في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. أحد الأهداف الرئيسية لهذا البرنامج هو تسهيل إعطاء قروض صغيرة للفئات الأقل حظا من اللاجئين ممن لا يستطيعون الحصول على قروض من جهات مالية أخرى. ويشمل برنامج الإقراض نوعين: أحدهما برنامج القروض الصغيرة والآخر برنامج الإقراض التابع لبرنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية.
أنوار أبو سكينة من مكتب الإعلام في الوكالة، تعطينا لمحة عن ذلك:
"البرنامجان يعملان ضمن إطار خطط الأونروا لمكافحة الفقر وخلق فرص عمل للاجئين وتوفير دخل يومي للأسرة. ويهتم البرنامجان بالمرأة بشكل كبير من أجل تمكينها ودعمها وذلك من خلال منحها القروض لبدء مشاريع صغيرة سواء كانت في المنزل أو من خلال فتح بقالة صغيرة أو محل ملابس لإفادتها وأسرتها، وبالتالي فالأونروا تدعمها وتقدم لها حتى الخبرة الفنية أحيانا. "
بدأ برنامج القروض الصغيرة للدعم المجتمعي في عام 2003 في الأردن حيث يوجد له أربعة فروع هي: الزرقاء، وعمان وسط البلد، وعمان البيادر، والوحدات. وهو يمنح قروضا للاجئين وغير اللاجئين تتراوح بين مئتين إلى خمسة عشر ألف دينار أردني، بنسبة فائدة تقدر باثنين في المئة من أرباح المشروع وبضمانات شيكات شخصية. وأما فترة السداد فتتراوح بين تسعة أشهر وخمسة عشر شهرا.
وأما برنامج الإقراض التابع لبرنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية فهو يمنح قروضا للاجئين فقط تتراوح بين مئتين إلى خمسة آلاف دينار أردني.
وتخبرني أنوار أن المنافسة في هذا المجال قوية جدا في الأردن حيث توجد ست مؤسسات تمويل صغير إلى جانب البنوك التجارية المنتشرة في المملكة، إذ تعطي هذه المؤسسات مميزات كثيرة سواء للاجئين أو غير اللاجئين. وأما ما يميز قروض الوكالة تقول أنوار:
"المميز لدينا هو أننا نعطي قروضا بدون كفيل وبدون تحويل رواتب، كما أن نسبة الفائدة جدا معقولة مقارنة بالفوائد التي تطلبها مؤسسات التمويل الأخرى. أيضا سهولة الإجراءات، وعدم وجود وساطة، ولا نتقاضى أية رسوم على القروض أبدا. ولا نطلب رهنا."
وما يميز برنامج الإقراض في الأونروا أيضا سرعة اتخاذ القرار، فعندما يتقدم أحد الأشخاص بطلب للحصول على قرض، تشكل الدائرة المعنية في الوكالة لجنة لتقوم بدراسة هذا المشروع الذي يشترط أن يكون قائما منذ ستة أشهر.
علاء الدين الشلبي يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عاما كان يملك مشغلا متواضعا لصيانة المكيفات الهوائية في العقبة، حصل على قرض من الأونروا بقيمة ثلاثة آلاف دينار حوّل بفضله مشغله البسيط إلى ورشة كاملة متكاملة.
توجهنا إلى ورشة علاء في منطقة الشلالة بالعقبة وٍسألناه عن كيفية استفادته من هذا القرض.
"كان المحل صغيرا يقتصر على صيانة الثلاجات والغسالات، ومن خلال القرض وسّعت المشغل ليشمل المكيفات، وقمت بشراء عدّة كبيرة لأجهزة التكييف. وتوفقنا الحمد الله. صرت قادرا على أن أتوسع في العمل، إذ أصبحت قادرا على أن أعمل في مجال المكيّفات وهو مجال أفضل من الصيانة فقط. وأصبح لدي ثلاثة عمّال يعملون في أنحاء العقبة كاملة. في البداية كان لدي عامل واحد فقط ولكن الآن أصبحوا ثلاثة أخذنا بالتوسع في مناطق أبعد، وإنتاج المصلحة أصبح أفضل."
إبداع علاء في مشغله لم يضع اسمه على قائمة المرشحين لجائزة تطوير العقبة للمشاريع الصغيرة لعام 2010 وحسب، وإنما مكنه من الحصول على الجائزة الأولى والتي بلغت قيمتها ألفي دينار أردني اشترى بها سيارة نقل سخّرها لمصلحة العمل.
ولدى سؤالنا لعلاء ما إذا كان سيقترض مرة أخرى من الأونروا أجاب:
"أكيد. لأنني أعمل في مجال تفصيل ثلاجات العرض، مثل ثلاجات المياه وثلاجات الملاحم والسوبرماركت، وأيضا ثلاجات الخدمة الذاتية، بالإضافة إلى غرف التبريد والتحكم، وبالتالي فهذا المجال يحتاج إلى ماكنات وعدّة للتوسع. تحتاج لماكنات قص صاج ولحام وهذا بحاجة لقرض. سأفكر في ذلك لأنه بحاجة لدراسة بأن آخذ قرضا وأوسع المصلحة أكثر."
يقول علاء إنه ليس من السهل أن يكون الشخص والدا لثلاثة أطفال، لذلك لا بد من العمل بجد للتمكن من تأمين طلباتهم. ويضيف أنه يساعد نفسه والآخرين، إذ إن الفنيين الذين يعملون معه جميعهم أرباب أسر أيضا.
لعل أبرز ما يدفع علاء وغيره من المستفيدين من الاقتراض من جديد من برنامج الأونروا للقروض الصغيرة هو المعاملة التي يلقونها من موظفي البرنامج، أم ابراهيم تبدو متأثرة لدى الحديث عن ذلك:
"إن شاء الله طوال ما أنا حيّة، سأفضل مع الوكالة، لأني ارتحت معهم ونفسيتي مع الوكالة. عندما أدخل مكتب الوكالة أرتاح وكأنهم أهلي. أخوتي وأخواتي. لا أشعر أنني عميلة، معاملتهم جيدة وروحهم طيبة."
تخبرني أنوار أن إحدى المشاكل التي يواجهها البرنامج هي عجز الناس عن تسديد القروض في الموعد في بعض الأحيان. تقول أنوار إن الوكالة فكرت في طلب ضمانات من المقترضين، إلا أنها فكّرت أيضا أنها إذا فعلت ذلك فستفقد الميزة الأساسية التي تميزها عن غيرها، وهي مساعدة الفئات الأكثر ضعفا والتي لا تستطيع الحصول على قروض من بنوك ومؤسسات تمويل أخرى.
أم ابراهيم امرأة من بين كثيرات استفدن من هذه القروض. للتعرف أكثر على سر اهتمام هذا البرنامج بالنساء، اتصلت بالسيد فيكتور السرياني، مدير دائرة التمويل الصغير التابع للأونروا في الأردن، وسألته عن ذلك:
"من خلال عملنا في مجال القروض التشغيلية لأصحاب المهن، وجدنا أن هناك فئة مهمشة وهي فئة النساء السيدات اللواتي يعملن من منازلها لدعم دخل الأسرة بما يكفي لتحسين مستوى المعيشة، ووجدنا أن هذه الفئة المهمشة يتم استغلالها من قبل أصحاب العمل أو من قبل المؤسسات التجارية والبنوك التي حاولت هؤلاء السيدات الحصول على التمويل من خلالها. ومن هنا قررنا استهداف هذه الفئة وطرح برنامج مخصص للسيدات القائمات على أنشطة ومشاريع صغيرة في منازلهن مثل الخياطة، وشك الخرز، وبيع الأغطية، وعمل المعجنات الجاهزة للبيع. ومن هنا أردنا أن نخدم هذه الفئة ونمكنها من تحسين مستواها المعيشي من خلال قروض تساعدها على تطوير أنشطتها."
خمسمئة امرأة من منطقة الزرقاء وحدها حصلن على قروض من خلال برنامج الإقراض النسائي منذ بدايته في شهر أيار/مايو الماضي، وحتى نهاية عام 2010. السيد السرياني يقول إنه وبسبب نجاحه الكبير، سيتوسع البرنامج إلى فروع أخرى.
ميسون قواسمة سيدة أخرى في الرابعة والأربعين من العمر لديها مشروع رسم على الزجاج والبورسلان والسيراميك. وهي تمتلك محلا لبيع أعمالها الفنية منذ تسعة عشر عاما.
ميسون قواسمة
زرنا ميسون في بازار أقيم في المدرسة الفرنسية في عمان دعيت للمشاركة فيه لعرض منتجاتها. وأخبرتنا كيف حصلت على أربعة قروض من الوكالة لغاية الآن.
"أول مرة أخذت القرض لتغيير ديكور المحل، والقرض الذي تلاه كان بهدف تغيير شكل المنتجات التي أنتجها، فأدخلت لها مواد جديدة مثل الخشب وغيره. ومن خلال كل قرض كنت أضيف شيئا جديدا لعملي حتى يتناسب مع التطور وحسب المناسبات طبعا."
وتقول ميسون إنه لولا القروض التي حصلت عليها من الوكالة، ما كان بإمكانها أن تطور نفسها وأعمالها. وها هي اليوم تعد من أبرز المشاركين في ما يعرف بسوق جارة، أحد الأسواق الشعبية التي تضم المنتجات المحلية والأعمال اليدوية، ووجهة الكثير من سياح المنطقة الشرقية من العاصمة الأردنية.
تقول ميسون إنها استطاعت من خلال عملها هذا أن تثبت وجودها في المجتمع، وإيصال رسالة بأن لديها شيئا تستطيع تحقيقه وإفادة الناس منه. وعن طموحها في المستقبل:
"إن شاء الله إذا استطعت توسيع عملي أكثر، أن أصبح قادرة على تسويق منتجاتي من خلال الإنترنت وأنشيء موقع الكتروني خاص بي. وفي نفس الوقت، أتوسع في البلد مثلا كأن اتواجد في منطقة عمان الغربية."
برنامج الأقراض التابع للأونروا هو برنامج مكتف ذاتيا، فمن خلال القروض التي يمنحها يحصل على اثنين في المئة من الأرباح التي تحققها المشاريع تنفق على التكاليف التشغيلية للبرنامج. وهو مشروع أثبت نجاحه ويسير باتجاه نجاح أكبر. فمع بداية عام 2011 من المقرر أن يفتتح البرنامج فرعا خامسا له في منطقة إربد شمال المملكة، وخلال النصف الثاني من العام سيكون له فروع في الجنوب ليصبح له وجود في كافة مناطق المملكة الأردنية.
خدمة جديدة سيطرحها البرنامج مع بداية عام 2011، وهي قرض الإسكان الذي تصل قيمته إلى خمسة عشر ألف دينار. ونعود إلى أنوار أبو سكينة، من مكتب الإعلام في الأونروا، لتحدثنا عن السبب الذي يجعل هذا القرض بالتحديد في غاية الأهمية بالنسبة للاجئ الفلسطيني:
"لن نطلب رهنا للبيت، وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للاجئين لأن اللاجئ في المخيمات لا يمتلك بيته، ليس لديه حجة ملكية. وإذا ما أراد هذا اللاجئ أن يوسع بيته من خلال بناء غرفة أو القيام بأعمال صيانه لبيته، لن يستطيع أن يأخذ قرضا من البنك لأنه سيطلب منه رهنا للبيت، واللاجئ لا يستطيع رهن بيته لأنه لا يملك حجة ملكية. لكن من خلال برنامجنا، يستطيع أن يأخذ قرضا يصل لخمسة عشر ألف دينار، للقيام بما يود القيام به في بيته داخل أو خارج المخيم."
قروض التمويل الصغير هذه ولو كانت صغيرة، فهي تحدث بلا شك فرقا كبيرا في حياة اللاجئ الفلسطيني، أمثال علاء وميسون وأم إبراهيم. وهي تشكل نوعا من أنواع التحدي الذي يدفع اللاجئ أو اللاجئة إلى فعل المزيد وتحقيق الأفضل. فهذا الإنسان الفلسطيني الذي شتتته الظروف، وفقد أبسط حق من حقوقه وهو الحق في السكن، لديه الكثير من الكبرياء. كبرياء تجسد في عيون أم ابراهيم التي أبت أن تنصاع لرغبة أولادها بالجلوس في المنزل، وقررت أن تتحدى الصعاب على أن تقع في العوز والحاجة.
"أنا من النوع الذي يخجل أن يطلب. تناقشت يوما مع ابني هنا في المحل، وقلت له لو جلست هنا وحدي وبلاط المحل ولم يكن لدي بضاعة، من غير الممكن أن أعيش عندكم. حريتي وزوجي وأولادي هي في منزلي أنا. وأطلب من الله عز وجل أن يتمم رسالتي بالخير، وأقول لربي وأنا أضع رأسي على الوسادة ليلا يا رب إذا أردت أن تأخذ زوجي الحاج فلتأخذنا سويا."
هذه تحيات لميس أنس من الإعداد والتقديم، ولا أنسى أن أتوجه بالشكر الجزيل لأنوار أبو سكينة التي قدمت لنا الدعم والمساعدة من مكتب الأونروا في الأردن.
http://www.unmultimedia.org/arabic/radio/51916.html