حماده فراعنه
حماده فراعنه / ليست الأحزاب والفصائل والتنظيمات الأصولية الإسلامية ، أحسن حالاً ، وأفضل ثقافة ، وأرقى سلوكاً من الزعماء العرب الذين حكموا في فترة الحرب الباردة ، فقد كان هؤلاء وأولئك حلفاء للولايات المتحدة الأميركية ، وسوية فيما بينهم صاغوا تحالفاتهم لمواجهة السوفييت والإشتراكية والشيوعية من طرف ولمواجهة قوى المعارضة اليسارية والقومية والليبرالية من طرف أخر ، وعملوا على تعزيز الإتجاهات والأفكار الأصولية والرجعية والمحافظة على حساب الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان فنمت الأحزاب الأصولية وقويت في ظل التحالف الأميريكي مع الزعماء العرب ، وفي غياب وضعف اليسار والإتجاه القومي والتيار الليبرالي .
فحركة الإخوان المسلمين وولاية الفقيه الشيعية وتنظيم القاعدة عملوا مع الولايات المتحدة وقاتلوا تحت راياتها وتسلحوا من أسلحتها ، وتم تغطية إحتياجاتهم من الأموال الأميركية المباشرة ، أو من قبل نظام الثراء الخليجي النفطي وبقرار أميركي أيضاً .
والولايات المتحدة بعد أن إستنفذت غرضها من الأحزاب الأصولية الإسلامية بعد نهاية الحرب الباردة وهزيمة المعسكر الإشتراكي لم تعد بحاجة لتحالفها معهم ، وألغت خدماتهم وأنهت توظيفهم ، هذا ما فعلته للإخوان المسلمين ومع ولاية الفقيه الشيعية ومع تنظيم القاعدة الذين تحولوا إلى المعارضة بعد أن إكتسبوا الخبرات وراكموا الأموال وإنتشر نفوذهم على حساب الديمقراطية والتيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية .
في التجربة الإيرانية كان هنالك تحالف بين الشيوعيين ومجاهدي خلق وشخصيات إجتماعية وإقتصادية مع رجال الدين والإمام الخميني ، ولكن خميني ورجال الدين بطشوا بالقوى اليسارية والقومية والليبرالية ، وخطفوا الثورة الشعبية ضد نظام الشاه وساروا بها نحو الإستبداد والتسلط ضد العصرنة والديمقراطية والتعددية ، وهذا ما حصل في أفغانستان ، حيث سيطرت القاعدة وطالبان على الحكم وبطشت بكل القوى التي كانت مؤتلفة ضد الإحتلال السوفيتي .
في فلسطين ، وصلت حماس إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية ، بفعل عاملين أولهما : نضالها ضد الإحتلال ، وثانيهما : عبرصناديق الإقتراع ، ولكنها لم تكتف بما أنجزته وحصولها على غالبية المقاعد البرلمانية ، فقامت بإنقلابها عام 2007 ، ضد الشرعية وضد التعددية وضد صناديق الإقتراع وإستأثرت بالسلطة ، وانفردت بقطاع غزة ، وقامت بتصفية جسدية لبعض حلفائها الذين كانوا معها في الإنقلاب وهم مجموعة ممتاز دغمش ومجموعة أحمد حلس ومجموعة موسى عبد اللطيف ، وها هي بعد أن تحكمت بالسلطة وإنفردت بها تتوسل التوصل إلى إتفاقات التهدئة مع الإسرائيليين حفاظاً على بقاء سلطتها الحزبية وحمايتها ، إضافة إلى منعها لأي مظهر من مظاهر التعددية ، ورفضها إجراء الإنتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية .
التجارب المرة التي مرت بها الشعوب في إيران وأفغانستان وفلسطين ، تحت حكم ولاية الفقيه وتنظيم القاعدة وحركة حماس الإخوانية لا تبشر بالخير ، ولا تستجيب لمتطلبات العصر وروحه التعددية الديمقراطية ، الأمر الذي يفرض أساساً من اليقظة والتحسب من هيمنة القوى الأصولية وتسلطها واستئثارها بمؤسسات صنع القرار .
صحيح إن حركة الإخوان المسلمين ، في الأردن ومصر وسوريا واليمن والسودان والجزائر ، لا تلجأ للعنف والعمل المسلح والإغتيالات ، على خلاف ما فعلته في السابق في مصر أيام الملكية وبداية عهد عبد الناصر من إغتيالات ، وما فعلته في سوريا لإسقاط نظام حزب البعث العربي الإشتراكي عبر العمل المسلح والإغتيالات ، وما فعلته في العراق لإسقاط نظام حزب البعث عبر التحالف المكشوف مع الإحتلال الأميركي ، حيث تعمل اليوم على ترسيخ نشاطها الجماهيري والنقابي والبرلماني ، وتنبذ العنف والعمل المسلح ، ولكن ما فعلته حماس في قطاع غزة ، وما حاولت أن تفعله في الضفة الفلسطينية ضد مؤسسات السلطة الوطنية ينذر بالخطر ، مقروناً مع تغطية كاملة وإسناد ورعاية حركة الإخوان المسلمين ، مما يوفر حافزاً لليقظة من دور حركة الإخوان المسلمين ونفوذها ، وهي الحزب الأقوى العابر للحدود والأوسع إنتشاراً ونفوذاً منظماً في العالم العربي .