حدث ذات مرة في بغداد
د. أكرم حجازي
15/12/2008
http://drakramhijazi.maktoobblog.com/ لم أفكر في الأسباب ولا الدوافع ولا الخلفيات التي جعلت الصحفي منتظر الزيدي يرجم الرئيس الأمريكي جورج بوش بفردتي نعله غير آبه بأية عواقب في ختام مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي الذي حاول صد الأحذية. فما أن شاهدت مقطع الفيديو حتى انتابتني موجة هستيرية من الضحك المتواصل، وكلما قرأت تعليقا على الحدث استغرقت في ضحك لم ينقطع، وكلما تذكرته شعرت بأننا أمة ينقصها لحظة فرح. ولسنا نشك لحظة أن من شاهد المقطع للمرة الأولى، وبه ذرة واحدة لا غير من المشاعر الإنسانية بعيدا عن أية أيديولوجيا أو مواقف مسبقة، إلا وكاد ينقلب على ظهره من الضحك فرحا وسرورا وشماتة بما أصاب الرئيس الأمريكي الذي علق على الحدث بالقول: كل ما أتذكره أن مقاس الحذاء10!
لكن، وكالعادة! فقد انشغلت ذاكرة بوش بمقاس الحذاء ونسي هدية الزبيدي له: هذه قبلة الوداع أيها الكلب، وسيغادر دون أن يتعلم درسا واحدا في حياته، ودون أن يشعر بخجل مما صنعت يداه أو مما تلقاه من تكريم عز نظيره. ولا عجب، فمن دشن حياته بتلقي الإهانات لن يضيره أن يتلقى الأحذية. أما أوباما وفريقه القادم ومن ورائه شعبه فمن المؤكد أنه لن يشمت بسلفه، لكن عليه أن يفهم أن:
ضربة الحذاء في بغداد تشبه تماما ضربة 11 سبتمبر، وهي المرة الثانية التي تتعرض فيها الولايات المتحدة لإهانة بالغة لن تمحوها كل الأساطيل الحربية والأمنية التي سخرت لحماية أمريكا ورموزها العظمى التي لم تفلت من الضرب حتى بالجزم بدء من أبراج منهاتن ومرورا بفخامة الرئيس الإمبراطور وانتهاء بعلم بلاده الذي طالته الفردة الثانية من حذاء الزيدي.
ضربة بغداد لن يمحوها ألف احتلال، ولن يستطيع أن يمحوها الرئيس القادم ولن يمحوها التاريخ، ولن تستطع موسوعة جنيس العالمية ولا أشباهها أن تتجاهلها من التوثيق كحدث فريد لحذاء فريد أشهر ألف مرة ومرة من حذاء الرئيس السوفياتي خروتشوف وهو يطرق به طاولة مجلس الأمن الدولي إبان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. وعلى أوباما وفريقه وشعبه أن يتدبروا الحدث ويفهموا جيدا أن العرب والمسلمين كانوا على موعد مع التاريخ حين سجل بأنهم أول من أذل الأمريكيين في عقر دارهم وأول من لطم رئيس أقوى دولة في العالم بأحذيتهم.
ضربة بغداد كانت فضيحة للشعب الأمريكي بالذات، وليس مهما القول أن هذا الشعب انتقم من رئيسه بانتخاب أوباما، لأن الضربة طالت الإرادة الأمريكية الشعبية التي نصبت بوش مرتين على رأس الهرم السياسي الرمز الأعظم للاتحاد الأمريكي سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا،. وعليه فمن المهم أن يدرك هذا الشعب الآن أنه سيدفع الثمن، بالأحذية، هو ورئيسه لقاء ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعوب والأمم ولقاء غطرستهم واستهتارهم بحياة البشر.
ضربة بغداد كانت فضيحة مدوية أيضا ضد الاتفاقية الأمنية بين حكومة المالكي والولايات المتحدة والتي كان التوقيع عليها هدفا لزيارة بوش إلى العراق. فما هي قيمة اتفاقية لم تستطع أن تحمي الرئيس الأمريكي من من فردة نعل تصفع وجهه؟ أما أولئك الذين وقعوا عليها وقدموا لها التبريرات الشرعية المزيفة لتمريرها فكثير عليهم أن يحظوا حتى بشرف إحدى فردات نعل الزيدي.
ضربة بغداد ستسجل في التاريخ أن الأحذية العربية التي خلعت من الأقدام لتقاتل باتت أثمن من السيوف التي تَسلَّمها بوش ليتراقص بها شامتا وساخرا من أصحابها أو تلك التي أهديت مُذهَّبة لبابا الفاتيكان ليقاتلنا بها فيما يسمى بحوار الأديان.
ضربة بغداد تأتي ردا على أصحاب الدعوات المحمومة التي تنادي بالتخلي عن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال لصالح المقاومة السلمية دون أي وجه حق أو مبرر منطقي يذكر إلا من تبني الأطروحة الأمريكية والصهيونية أيا كان الثمن وأيا كانت النتيجة.
ضربة بغداد طالت أيضا أولئك الذين يلهثون، بلا خجل ولا عقل، خلف سراب الاعتراف الأمريكي بقبول التفاوض معهم دون أن يعتبروا من أية سابقة أو تجارب تاريخية لم تسمن ولم تغن من جوع وقهر وحصارات لفترات طويلة وسط قتل وتنكيل بالجملة لم يتوقف لحظة واحدة.
أخيرا لنرى كيف سيتعامل دعاة الحرية وحقوق الإنسان وحرية التعبير مع منتظر الزيدي الصحفي المعتدل الذي فاضت به الكأس ولم يعد قلمه يحتمل المزيد من النفاق. أما العرب فستجد منهم من يسارع إلى الإدانة، وآخرين سيتبرؤون من بوش ويحملونه مسؤولية أفعاله، وقسم آخر سيجتهد في النأي بالسيد الجديد أوباما عن أي انتقاد بل والثناء عليه وتقديم المواعظ والنصح له كما نصحوا لبوش من قبله.