د. فوزي علي السمهوري
نتيجة لاغتصاب فلسطين عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية المدعومة من القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية عسكريا وسياسيا،
وما رافقها من ارتكاب مجازر دموية بحق الشعب الفلسطيني، طرد مئات الآلاف من المواطنين إلى خارج وطنهم ليعيشوا حياة اللجوء في ظل ظروف إنسانية قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وعاش مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين بات يطلق عليهم سياسيا "اللاجئون الفلسطينيون" على أمل العودة الى وطنهم فلسطين تنفيذا لوعود عربية رسمية، ولكن المؤامرة الدولية كانت أكبر، فلا أمل بتمكين عودة اللاجئ الفلسطيني إلى أرضه تطبيقا للقرار الدولي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
على أثر ذلك، وعلى أثر النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني أنشئت وكالة الغوث (unrwa) لخدمة اللاجئين في مناطق تواجدهم، وفيما عرف بعد ذلك بمناطق عمليات الأونروا في كل من الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية من الأردن وقطاع غزة.
واعتمدت وكالة الغوث للقيام بمهامها على ميزانية تقدم لها من المجتمع الدولي (الدول المانحة) على قاعدة تبرعات وليس وفقا لميزانية محددة وواضحة من الأمم المتحدة، وهذا يعني أن التبرعات للدول المانحة غير ثابتة وقابلة للتعديل وفقا لتوجهات سياسية ولأسباب اقتصادية في أحيان أخرى.
ولكن وكالة الغوث أصبحت بالنسبة للاجئين الفلسطينيين ليست مصدرا لدعم إنساني أو خدمات صحية وتعليمية واجتماعية وحسب، بل أصبحت عنواناً سياسيا ورمزاً لقضية فلسطين، بالرغم من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والإيجابية التي طرأت على حياة قطاع من اللاجئين بفضل توجههم إلى العلم والعمل لتأمين حياة أفضل لعائلاتهم، ولكن الجميع عمل على الحفاظ على حقهم بالتسجيل في ملفات الأونروا للاجئين حرصا منهم وتأكيدا على حقهم المعترف به دوليا بالعودة إلى وطنهم المغتصب منذ عام 1948.
ولكن منذ سنوات بدأت الأونروا تعاني من أزمات مالية، وتجلت تلك الأزمة بوضوح جلي خلال السنوات السنة الماضية، أي منذ عام 2004، حيث عقد مؤتمر جنيف بهدف دعم وكالة الغوث وتعزير المشاركة معها، ولكن ماذا كانت النتيجة هي إضعاف الشراكة مع الأنروا، حيث انسحبت دولة تشكل داعما رئيسيا من هذه الشراكة.
وقد توجت الأزمة المالية عام 2010، حيث تم تقليص الميزانية في مناطق العمليات الخمس لوكالة الغوث بمعدل تسعة ملايين دولار لكل منطقة، مما أثر على مستوى الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطيني سلبا بالرغم من تدنيها أصلا، وهذه الأزمة مرشحة للاستمرار عام 2011 أيضا.
وتبرر بعض الدول المانحة بتقليص دعمها والوفاء بالتزاماتها تجاه وكالة الغوث بالأزمة المالية العالمية وبالوضع الاقتصادي الخاص بتلك الدول، ولكن من الجدير ملاحظته أن تلك الدول عينها التي تتذرع بالأزمة المالية تقوم بدفع مليارات الدولارات لتحويل العلميات العسكرية في أفغانستان والعراق وتبدي استعدادها لتحويل عمليات حربية في مناطق أخرى إن تطلب الأمر.
ولكن السبب الرئيس باعتقادي وراء تقليص الدعم المالي لتمكين الأونروا من الاستمرار في عملها وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية تكمن في المخطط السياسي الدولي الهادف إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي أصبحت محليا وإقليميا ودوليا وكالة الغوث عنوانا لها، وما المطالب الإسرائيلية، وما ضرب مدارس الوكالة في مخيم جنين عام 2002 ومدارس الوكالة ومؤسساتها في قطاع غزة إبان العدوان الهمجي عام 2008/2009 الأخير إلا دليل على النوايا الصهيونية.
لذلك، فالمطلوب من الدول المضيفة للاجئين (الأردن، وسوريا، ولبنان) ومن السلطة الفلسطينية ومن منظمة التحرير الفلسطينية أن ترفض كافة المحاولات الرامية إلى إنهاء الأونروا بالتدريج، وعليها أن تعمل أيضا على رفض سياسة دولية تقوم بالبحث عن شركاء محليين لتمويل برامج محددة، كما حصل قبل أسابيع عندما أقامت إحدى مناطق العمليات بشراكة مع شركة خاصة، تمثلت تلك الشراكة بتحويل حملة إعلانية لحث الناس على التبرع من خلال إرسال رسائل قصيرة عبر الهواتف الخلوية.
والمطلوب من الدول المضيفة خاصة، والدول العربية والإسلامية كافة، أن تضغط من أجل استمرار إلزام المجتمع الدولي بالوفاء بالتزاماته المالية تجاه مجتمع اللاجئين، والعمل على إرغام إسرائيل على تنفيذ القرار الدولي رقم 194 من خلال ممارسة الضغط السياسي وربطه بالمصالح على الدول الكبرى وخاصة أمريكا الداعم الرئيس للكيان الصهيوني.
فحافظوا على الأونروا بعنوان سياسي والتزام سياسي من المجتمع الدولي.. ولا تخنغوا للضغوط والإغراءات.