في الحلقة الثانية من مسلسل وثائق «الجزيرة»، الذي من المفترض أن يستمر خلال اليومين المقبلين، كان اللاجئون هم ضحية التنازلات الفلسطينية، إذ وفقاً لمذكرة داخلية لمفاوضي السلطة، مؤرخة في 24 تموز 2008، فإن الرئيس الفلسطيني «محمود عباس قدم عرض متدنياً جداً لعدد اللاجئين العائدين إلى أراضي الـ48، بعد مضي أسابيع قليلة على بداية العملية» التفاوضية، في إشارة إلى ورقة قدمها عباس إلى الطرف الإسرائيلي عام 2007 تؤكد أن «الجانب الفلسطيني مستعد للتنازل عن عودة ملايين اللاجئين والاكتفاء بعودة عشرة آلاف لاجئ سنوياً لمدة عشر سنوات، مع إمكان تجديد هذه الاتفاقية بموافقة الطرفين».
لكن الرفض كان من نصيب هذا الاقتراح، إذ إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت قدّم لعباس عرضاً في 31 آب 2008 بأن «إسرائيل ستسمح بعودة ألف لاجئ سنوياً لمدة خمسة أعوام، وذلك لدواع إنسانية».
كذلك فإن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني قالت، أثناء اجتماع مع رئيس طاقم المفاوضات في السلطة الفلسطينية أحمد قريع بتاريخ 22 كانون الثاني 2008، «لا أريد أن أخدع أحداً. لن يكون هناك أي مسؤول إسرائيلي يؤيّد عودة اللاجئين إلى إسرائيل. هناك العديد من الشعوب حول العالم مستعدة للمساهمة في قضية اللاجئين».
وسعت ليفني إلى التحرر من المسؤولية الأخلاقية الناجمة عن تهجير ملايين الفلسطينيين من ديارهم، وما قد ينتج من ذلك من مطالبة بتعويضات، إذ قالت لأحمد قريع، في اجتماع عقد في 24 آذار 2008، إن «تعويض اللاجئين مسألة دولية، من الخطأ الإشارة إلى المسؤولية (الإسرائيلية)».
وتبنّت الإدارة الأميركية الموقف نفسه، إذ رأت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، أثناء اجتماع ثنائي أميركي فلسطيني في 16 تموز 2008، أن مشكلة اللاجئين «مسؤولية المجتمع الدولي لا إسرائيل. إن المجتمع الدولي هو الذي أوجد إسرائيل». وأشارت إلى أن «دولاً أخرى يمكن أن تشارك في حل قضية اللاجئين على أراضيها، مثل تشيلي والأرجنتين».
رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات كان له عرضه التنازلي أيضاً. فخلال اجتماع مع الإسرائيليين في 8 نيسان 2008، قال عريقات «لقد ذكرت سابقاً أن إقامة الدولة الفلسطينية تمثل استجابة لقضية خمسة ملايين لاجئ فلسطيني. وهذا الأمر يعني أنه يجب عليكم ألا تقلّصوا حجم هذه الدولة»، في إشارة إلى أن العودة ستكون إلى أراضي الدولة الفلسطينية.
وانضم أحمد قريع إلى جوقة المتنازلين، إذ لمّح، خلال اجتماعه مع ليفني في 27 كانون الثاني 2008، إلى أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يمكن حلها بسبل أخرى غير العودة. وقال «إذا كان العرب جزءاً من الحل، فلن تكون هناك مشكلة في هذه القضية. علينا أن نشرك الدول التي تستضيف اللاجئين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة».
أما يهوديّة الدولة الإسرائيلية، فأقرّ عريقات، في اجتماع قبل أنابوليس في 13 تشرين الثاني 2007، «بحق» إسرائيل في تعريف نفسها كما تشاء. وقال مخاطباً ليفني، بحضور قريع، «لم ننكر أبداً حق إسرائيل في تعريف نفسها. إذا كنتم تريدون أن تسمّوا أنفسكم دولة «إسرائيل اليهودية»، يمكنكم تسميتها كما تريدون»، ضارباً لذلك مثالاً إيران والسعودية.
وأظهرت وثائق أخرى أن السلطة الفلسطينية قبلت مبدأ التنازل عن أجزاء من الضفة الغربية والقدس، مقابل أجزاء من فلسطين الـ48. فبحسب محضر لاجتماع قريع مع ليفني في 22 كانون الثاني 2008، قال قريع «أودّ أن أقترح أن الأساس هو حدود 1967»، مضيفاً «نحن قبلنا بتعديلها ونحن ملتزمون بهذا». وقال قريع إن «مساحة الأراضي المقايضة وموقعها هما ما يجب أن يناقش» بعد ذلك. لكن ليفني رفضت أن تكون تلك الحدود «مرجعية»، وقالت «لا أستطيع قبول هذا».
وحاول قريع تشجيع محاورته على التنازل بقوله «سنهزم حماس لو توصلنا إلى اتفاق، وسيكون هذا هو ردّنا على دعواهم أن استعادة أرضنا يمكن أن تتحقق فقط عبر المقاومة».
واعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفقاً للوثائق، بأن «هناك مقترحات بتبادل الأرض، وإعطاء نسبة مئوية من الضفة الغربية مقابل نسبة مئوية أقل من أراضي 1948». وأضاف «نريد قبل كل شيء أن يكون الأساس هو خط 4 حزيران 1967، ثم نبحث تبادلاً صغيراً، ونريد ممراً آمناً بين الضفة الغربية وقطاع غزة».
وكشفت الوثائق أن الإسرائيليين حاولوا استغلال المفاوضات لتسويق فكرة «الترانسفير» بالنسبة إلى فلسطينيي الـ48. وحاولت ليفني، خلال اجتماع مع قريع في حزيران 2008، تبرير الفكرة بالاستناد إلى تجربة قرية الغجر على الحدود مع لبنان.
(الأخبار، الجزيرة)