فلسطين اليوم- غزة
تتمايز أرض هبّة فلسطين السبعينية عن أرض نكبتها (1948) ونكستها (1967)، وعن صورتها القائمة اليوم، بفعل مساحاتها المستلبة بالاستيطان والمصادرة، والمستهدفة بالتهويد والتزوير الإسرائيلي.
وبرغم إسقاط الاحتلال لأرض هبة آذار من جغرافية فلسطين، غير أن معركة التاريخ والوطن مستمرة لم تنته حتى اليوم، على وقع إحياء ذكراها الخامسة والثلاثين، وفي ظل صمود ونضال الشعب الفلسطيني لمقارعة العدوان وإنتزاع الحقوق المشروعة.
وتقبع مساحات “يوم الأرض” حاضراً مشابهاً لجريمة الاحتلال في الثلاثين من آذار (مارس) 1976 التي شهدت مصادرته لنحو 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا، وغيرها، لإقامة المستوطنات وتوطين المستعمرين في سياق مخطط تهويد الجليل، بعد مصادرتها لأكثر من مليون دونم من أراضي الجليل والمثلث خلال عامي 1948 و 1972.
وأسفر قمع قوات الاحتلال بنيران آلتها العدوانية للمظاهرات الشعبية الغاضبة التي امتدت على طول مساحة أرض فلسطين التاريخية، مصحوبة بإضراب شامل، عن استشهاد ستة فلسطينيين وجرح العشرات واعتقال أكثر من 300 فلسطيني.
وقد تجسدت ملحمة الصمود والنضال الفلسطيني في إحدى صورها من خلال اصطفاف الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948، إلى جانب اخوانهم في الأراضي المحتلة العام 1967.
بينما يعتبر “يوم الأرض” حدثاً مهماً في تاريخ الشعب الفلسطيني العربي في الأراضي المحتلة العام 1948، الذي انتفض ضد قرارات سلطات الاحتلال المجحفة لجهة إلغائها بواسطة النضال الشعبي، مستمدين قوتهم من وحدتهم، ما كان لها أكبر الأثر في وعيهم السياسي ونضالهم الوطني ضد الاحتلال، والذي تجسد مجدداً في انتفاضة الأقصى (2000) حينما استشهد منهم ثلاثة عشر فلسطينياً على يد الاحتلال.
وانعكس ذلك الإدراك في خروج الجماهير الفلسطينية العربية إلى الشارع المحتل دونما تخطيط، للتصدي في وجه الاحتلال، فيما اقتربت في الثلاثين من آذار (مارس) من العصيان المدني الجماعي، ما يترجم العمل المنظم واستيعاب أبعاد القضية، التي تقع الأرض في محوريتها.
وقد استبق الاحتلال ذلك الحدث بجملة قرارات عدوانية وبوثيقة أعدها متصرف لواء المنطقة الشمالية المحتلة “يسرائيل كينيغ” في الأول من آذار (مارس) لتهويد الجليل واتخاذ اجراءات سياسية معينة تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة 1948.
وهدفت الوثيقة إلى تخفيض نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب والاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراضٍ زراعية ومحاصرتهم إقتصادياً واجتماعياً، وتوطين المستعمرين فيها، وتكثيف الاستيطان في الجليل.
وسعت إلى التضييق الاقتصادي على العائلة العربية عبر ملاحقتها بالضرائب وإعطاء الأولوية للمستعمرين في فرص العمل وتخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي وتشجيع التوجهات المهنية لدى الطلاب، من أجل حمل الفلسطينيين للهجرة إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.
لقد دفع ذلك الوضع، المتزامن مع إصدار الاحتلال لقرارات المصادرة، إلى تداعي الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1948 لإعلان الإضراب المصحوب بالمظاهرات العارمة التي اتسعت دائرتها، على وقع التهديد بقمعها، ما أدى إلى اندلاع الأحداث والمواجهات في التاسع والعشرين والثلاثين من آذار (مارس)، والتي أسفرت عن استشهاد خير ياسين من عرّابة، ورجا أبو ريا وخضر خلايلة وخديجة شواهنة من سخنين، ومحسن طه من كفركنا، ورأفت الزهيري من عين شمس.
ومنذاك، يتم إحياء ذكرى “يوم الأرض” تجسيداً لقيم النضال المشترك والتشبث بالأرض والوطن، ولكنه يقترن سنوياً مع قضم الاحتلال لمزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبناء المستوطنات، والسعي لإحكام قبضة التهويد.
وتجد ندوب الاحتلال حضورها الاستيطاني اليوم في “180 مستعمرة تضم زهاء نصف مليون مستوطن يستولون على مساحات شاسعة من الضفة الغربية المحتلة وحدها”، بحسب مدير دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق في القدس المحتلة خليل التفكجي.
وأضاف إلى “الغد” من القدس المحتلة إن مصادقة سلطات الاحتلال مؤخراً على إقامة 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة، يدخل في إطار “مخطط إسرائيلي جاهز لإقامة 50 ألف وحدة استيطانية في المدينة المقدسة حتى عام 2020، لتغيير معالمها وحسم معركتها جغرافياً وديمغرافياً”.
وحذر من “هدف الاحتلال في إخراج قضية القدس من مفاوضات الوضع النهائي (التي تشمل أيضاً قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه والأمن)، عبر إحداث تغيير ديمغرافي فيها للصالح الإسرائيلي، وتصوير القدس المحتلة على أنها مركز الحضارة والثقافة اليهودية، التي تعمل سلطات الاحتلال على خلقها واستحداثها”.
بينما تستكمل سلطات الاحتلال حالياً بناء جدار الفصل العنصري، الذي شرعت به عام 2002، رغم قرار محكمة العدل الدولية الصادر في التاسع من تموز (يوليو) 2004 والقاضي بهدم الجدار وتعويض الفلسطينيين المتضررين منه.
وقد أخرج الجدار أكثر من 100 ألف مقدسي، من أصل حوالي 260 – 350 ألف مقدسي، من المدينة المحتلة مهددين بسحب هوياتهم، بينما يستهدف قضم 56 % من مساحة أراضي الضفة الغربية، مقابل الإبقاء على 44 % منها مقطعة الأوصال، ما يسمح للاحتلال بضم ست كتل استيطانية في المرحلة النهائية تضم 80 % من المستوطنات وقرابة 400 ألف مستعمر بنسبة 70 % من المستوطنين.
وبحسب دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية؛ فإن ما تبقى من مساحة فلسطين التاريخية بسبب سياسة الاحتلال الأحادية ببناء المستوطنات والجدار العنصري حوالي 12 % فقط، بعدما كانت سلطات الاحتلال تسيطر على 78 % من مساحتها عند إنتهاء عدوانها عام 1948، فيما وافقت المنظمة على 22 % فقط بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967.
فيما صادرت سلطات الاحتلال ما يزيد على 300 ألف دونم لصالح بناء الجدار العنصري، بينما يعيش عشرات الآلاف من الفلسطينيين في معازل وكنتونات بسببه، وفق معطيات منظمة التحرير.
“هبّة الأرض” عند اللاجئين الفلسطينيين
وتكتسب “هبة يوم الأرض” عند اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات بعداً يتجسد بمعاني التشبث بالهوية وحق العودة ورفض التوطين.
ويربط اللاجئون في المخيمات الموزعة في أنحاء متفرقة من الأردن بين “هبة آذار” و”نكبة” لجوئهم الممتدة عبر ثلاثة وستين عاماً، “كعنوان لنضال الشعب الفلسطيني وتمسكه بوطنه وأرضه”، بحسب الحاج عبد الرزاق سليمان (60 عاماً).
ورأى سليمان أن “يوم الأرض يشكل امتداداً لجرائم الاحتلال العام 1948، ما نتج عنه تشريد 5 ملايين لاجئ فلسطيني”، يتوزعون في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.
ونظر حمدي صقر (55 عاماً) إلى ذكرى “الهبّة” باعتبارها “مناسبة لتأكيد معاني التمسك بالهوية والتشبث بحق العودة، وترسيخ الوحدة الوطنية”.
وقصد صقر بذلك حالة الإنقسام الفلسطيني الحاد الذي يدخل عامه الخامس، في ظل تصاعد عدوان الاحتلال وانتهاكاته ضد الأراضي المحتلة.
واشار عاطف حنفية (39 عاماً) الى ضرورة “تحقيق المصالحة، للتصدي لخطط الاحتلال المستهدفة سلب الأرض والتاريخ معا”، في وقت أكد فيه عبد الرحيم الميمي (28 عاماً) أن “جرائم الاحتلال لن تثني الشعب الفلسطيني عن المقاومة ومقارعة الظلم والعدوان وصولاً لدحر الاحتلال وتحقيق العودة وتقرير المصير”.
بينما شدد ماجد الصالحي (25 عاماً) على “تمسك اللاجئين بالعودة إلى أراضيهم وديارهم التي هُجّروا منها العام 1948 بفعل العدوان الإسرائيلي، ورفضهم التوطين”.
وتابع وحيد النبراوي (23 عاماً) نفس التأكيد بقوله “لم نفقد الأمل يوماً بعودتنا إلى أراضينا ووطننا، وتحرير الأرض وإزالة الاحتلال، مهما تقادمت السنين”.
وبالنسبة إلى منصور محمود (50 عاماً) فإن “سنوات اللجوء كرست عند اللاجئين مفاهيم التمسك بحق العودة ورفض التوطين”، داعياً في الوقت نفسه إلى “إنهاء الإنقسام الفلسطيني للتصدي لخطط الاحتلال الاستعمارية الاستيطانية”.
ووجد فضل يحي (26 عاماً) في “مقترحات المصالحة المطروحة اليوم فرصة مناسبة لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الفصل القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية”.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تقدم بمبادرة لزيارة غزة وتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك لإنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة.
ولكن عبد الله خضر (27 عاماً) يستبعد “حدوث التقارب بين حركتي فتح وحماس، بسبب اختلاف الرؤى والخطاب ووجود أطراف خارجية تجد أن من مصلحتها عدم تحقيق الوحدة بين شقي الوطن المحتلين”.
ولفت كريم أبو المجد (33 عاماً) إلى أهمية “ثبات القيادة الفلسطينية على موقفها حيال عدم الذهاب إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي من دون وقف الاستيطان”، فيما طالب محي سليم (36 عاماً) “بعدم المضي في مسار التفاوض العبثي والاحتكام للمقاومة لتحقيق الحقوق الوطنية المشروعة”.
ويقيم في الأردن حوالي 2 مليون لاجئ فلسطيني، يقيم 350 ألف منهم في 13 مخيماً، مسجلين لدى وكالة الغوث الدولية (الأونروا).